تخيّل مشهدًا حضريًا يغمره مشهدٌ من اللافتات المضيئة. تتداخل الألوان الوردية مع الزرقاء، وتُلقي الألوان الخضراء بظلالها الطويلة، وتتنافس إعلانات التحسينات الهولوغرافية على جذب الانتباه مع متاجر الرامن المتلألئة. هذا هو عالم السايبربانك المُشبع بأضواء النيون، وهو نوعٌ فنيٌّ يزدهر بفضل التباين البصري بين التكنولوجيا المبهرة وعوالم الجريمة القاسية. لكن النيون ليس مجرد خيار أسلوبي؛ بل هو أسلوبٌ سرديٌّ يعكس جوهر السايبربانك.
ظهرت أضواء النيون في أوائل القرن العشرين، مقدمةً وسيلةً نابضةً بالحياة وفعّالة للإعلان. استعارت السايبربانك، التي ازدهرت في ثمانينيات القرن الماضي، هذه الجمالية لرؤاها المستقبلية. أصبحت هذه المدن المُضاءة بالنيون شخصياتٍ بحد ذاتها، تعج بالحياة والخطر، وشعورًا بالتغير المستمر. أضاء هذا التوهج الاصطناعي القاسي التفاوتات الصارخة في هذا المستقبل. أطلت شركات عملاقة شامخة، بشعاراتها المزينة بالنيون، فوق القطاعات المتعثرة حيث وفرت لافتات الميزانية المتذبذبة متنفسًا مؤقتًا.
يجسد هذا التباين البصري جوهر السايبربانك ببراعة. إنه نوع أدبي مهووس بإمكانيات التكنولوجيا ومخاطرها. يعكس النيون التطورات المبهرة - الأطراف الصناعية، والغرسات المتوهجة، والعروض المجسمة. ومع ذلك، فإن قسوة الإضاءة، التي تكاد تكون صارخة، تُلمّح إلى الفساد الكامن والانحلال المجتمعي. تصبح لافتات النيون استعارة لجاذبية التكنولوجيا وخطورتها - وعد ساحر قادر على الارتقاء والاستغلال في آن واحد.
علاوة على ذلك، غالبًا ما تلعب لافتات النيون دورًا وظيفيًا في سرديات السايبربانك. قد يتلاعب بها المخترقون لنشر الرسائل أو تعطيل إعلانات الشركات. في الأزقة المبللة بالمطر، يصبح النيون المتلألئ منارة أمل أو إشارة خطر. إنها لغة يفهمها سكان هذا العالم البائس، وسيلة للتواصل تتجاوز الكلمات.
يتجاوز تأثير النيون حدود الخيال العلمي السايبربانك. فألعاب الفيديو، مثل سايبربانك 2077، وأفلام مثل بليد رانر، تعتمد بشكل كبير على النيون لخلق عوالمها الغامرة. وقد امتدت جاذبية هذا النوع البصري إلى عالم الموضة، حيث تُدمج الملابس والإكسسوارات لمسات نيون لتُستحضر جماليات السايبربانك.
لكن أهمية النيون تتجاوز مجرد الجماليات. إنه تذكير بالماضي، بزمنٍ انبهرت فيه البشرية بحداثة الأنابيب المتوهجة. في عالم السايبربانك، يُضيف هذا العنصر الحنينيّ لمسةً من التعقيد. هل يُعدّ النيون تكريمًا لعصرٍ مضى، أم محاولةً يائسةً للتشبث بشيءٍ مألوفٍ وسط فوضى مستقبلٍ فائق التقنية؟
في نهاية المطاف، النيون في السايبربانك ليس مجرد واجهة. إنه رمز قوي يُجسّد جوهر هذا النوع. إنه سحر المستقبل مُقابل الواقع القاسي لعالم تُهيمن عليه التكنولوجيا والشركات العملاقة. إنه لغة، وتحذير، وصدى حنين في ظلمة النيون المُشبعة.
وقت النشر: ٢٠ مايو ٢٠٢٤